Social Icons

علاقة العمل بالإيمان


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:

يعتبر العمل الصالح الذي يقوم به المسلم عنوانا أو مظهرا للإيمان، فالإيمان هو الذي يجعل صاحبه يقبل على الخير والعمل الصالح وينقبض عن الشر والإثم والسيئات ابتغاء لوجه اللّه واتقاء لغضبه واكتسابا لرضائه ورضوانه. فما علاقة الإيمان بالعمل؟

هناك تلازم بين الإيمان و العمل الصالح، فالعمل الصالح  ينجم عنه أثر في القلب و زيادة  في الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا. قَالَ: فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا، قَالَ: فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا. قَالَ: فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ."[1]

فهذه الأعمال تقوي الإيمان في القلب. وكما سبق الذكر، فإن هناك علاقة و تلازم بين الإيمان و بين العمل الصالح، لأن الإنسان إذا زاد الإيمان في قلبه، انعكس ذلك على جوارحه فسعى في فعل الخيرات من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... . وعرّف ابن العثيمين رحمه الله تعالى الإيمان تعريفا منبنيا على مقاييس ومعايير دقيقة جدا، منها أنه بين أن الإيمان إن كانت حقيقته اللغوية التصديق – تصديق القلب – فإنه موجب للإيمان و الخضوع و الاستسلام لأمر الله تعالى، كما بين رحمه الله في تعريف الإيمان أن 'الإيمان بالله عز وجل' معناه: أن تؤمن بربوبية الله تعالى، فهو رب للعالمين سبحانه، وأن تؤمن كذلك بأنه الوحيد المستحق للعبادة، وإذا أقررنا بأن الله هو الوحيد المستحق للعبادة، فإن من الإشراك به سبحانه أن تصرف أي جزء من عبادتك لغيره، هذا من مباني الإيمان كما  بينه الشيخ بن العثيمين رحمة الله عليه[2]، وهذا الإيمان الذي قدمه الشيخ بن العثيمين إذا حصل بالمقاييس و المباني و  المعايير التي ذكرها، فلابد أن يتولد عنه العمل الصالح. وهذا هو المقصود من هذا البحث، هو أن نقف مع حقيقة الإيمان و أن نخرج الإيمان إلى الواقع العملي الذي نتعامل فيه، فالإيمان ليس اعتقادا ساكنا أو ثابتا في القلب فحسب، بل له آثار و له أركان، له دور في الحياة الإجتماعية التي نعيشها...

إذا حصل الإيمان بمقاييسه فلابد أن يتولد عنه العمل الصالح – كما ذكرنا آنفا-.  يقول ابن عثيمين مزيدا من التبيان لحقيقة الإيمان: ”وإذا آمنت بالله على هذا الوجه فإنك سوف تقوم بطاعته ممتثلا أمره مجتنبا نهيه لأن الذي يؤمن بالله على الوجه الصحيح لابد أن يقع في قلبه تعظيم الله على الإطلاق ولابد أن تقع في قلبه محبة الله على الإطلاق فإذا أحبّ الله حبّا مطلقا لا يساويه أي حبّ وإذا عظّم الله تعظيما لا يساويه أي تعظيم فإنه بذلك يقوم بأوامر الله وينتهي عما نهى الله عنه، كذلك يجب عليك من جملة الإيمان بالله أن تؤمن بأن الله فوق كل شيء على عرشه استوى والعرش فوق المخلوقات كلها وهو أعظم المخلوقات التي نعلمها“[3] ولابد أن يكون للإيمان أثر يتجلى في العمل الصالح، ولذلك قال أهل العلم: ”إن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان“، وهذا ثابت بالنصوص الشرعية القطعية الثبوت، إذا قمنا بجرد الآيات التي تتحدث عن الإيمان أو المؤمنين، لاحظنا أنها كلها تردف العمل الصالح –يعني مقترنة بالعمل الصالح-، فنذكر على سبيل المثال لا على سبيل الحصر، لأن هناك أكثر من 80 موضعا في القرآن و السنة:
§  قوله عز وجل: "وَبشِّر الذين آمنوا وعملوا الصالحات".[4]
§  قال تعالى: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ".[5]
§  وقال جل ثناؤه: "قَد أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ"[6].
§  قال تعالى: "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات"[7].
§  قال تعالى: "  []فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ    أَحَداً" .[8]
§  وقوله سبحانه: "الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون"[9].
في هذه الآيات يبين الله عز وجل حقيقة الإيمان، وهي الجمع بين الاستسلام الباطن، وهو الإيمان  والاستسلام الظاهر وهو العمل الصالح. والجمع بين الإخلاص في القلب -وهو أمرٌ باطن- والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم -وهو أمرٌ ظاهر- فالبُشرى لمَنْ جمع بين الأمرَيْن.
§       وقال تعالى: "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً".[10]
و قال الفضيل بن عياض في تفسير العمل الحسن: "أخلصه وأصوبه، فقيل له: ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً، فالخالص ما كان لله، والصواب ما كان على السنة.
§  وقال سبحانه: "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ". [11]
قال الشيخ ابن الناصر السعدي في كتابه 'تيسير الكريم الرحمان في تفسير كلام المنان' تفسيرا لهذه الآية[12]: "أي اعترفوا ونطقوا وردوا بربوبية الله تعالى واستسلموا لأمره ثم استقاموا على الصراط المستقيم علما وعملا"  انتهى.
وفي الحديث الذي رواه سفيان الثقافي رضي الله عنه أنه قال: "قُلْتُ يَارَسُوْلَ اللهِ قُلْ لِيْ فِي الإِسْلامِ قَوْلاً لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدَاً غَيْرَكَ؟ قَالَ: "قُلْ آمَنْتُ باللهِ ثُمَّ استَقِمْ"[13]
قال القاضي عياض رحمه الله تفيسرا لهذا الحديث برواية مسلم‏: "‏قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ثم اسْتَقِمْ‏"‏: "هذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم وهو مطابق لقوله تعالى: ”إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا“ أي وحدوا الله، وآمنوا به، ثم استقاموا فلم يحيدوا عن التوحيد، والتزموا طاعته سبحانه وتعالى إلى أن توفوا على ذلك. وعلى ما ذكرناه، أكثر المفسرين من الصحابة فمن بعدهم وهو معنى الحديث إن شاء الله تعالى ."هذا آخر كلام القاضي رحمه الله فلا يكفي الإيمان دون الإتيان بالعمل.
وجاء في تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي في قوله صلى الله عليه وسلم: "قُلْ آمَنْتُ باللهِ ثُمَّ استَقِمْ" ‏هُوَ لَفْظٌ جَامِعٌ لِجَمِيعِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَ أَمْرًا أَوْ فَعَلَ مَنْهِيًّا فَقَدْ عَدَلَ عَنْ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمَةِ حَتَّى يَتُوبَ وَمِنْهُ {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اِسْتَقَامُوا[14]} فَإِنَّ مَنْ رَضِيَ بِاَللَّهِ رَبًّا يُؤَدِّي مُقْتَضَيَاتِ الرُّبُوبِيَّةِ وَيُحَقِّقُ مَرَاضِيهِ وَيَشْكُرُ نَعْمَاءَهُ.

وكل النصوص الإسلامية و الأحاديث النبوية ثم أعمال المسلمين منذ ظهور الإسلام – من أعمال الصحابة رضي الله عنهم ومن اقتفى أثرهم إلى يوم الدين- تدل دلالة قطعية على أن الأعمال من الإيمان، وأن الإيمان لا يمكن أن يتم إلا بالأعمال الصالحة، فالإمام البخاري رحمه الله تعالى عقد باب في صحيحه ترجمه بـ "باب من قال أن الإيمان هو العمل"، إذن أصل الايمان هو العمل، وذلك أن الراغب الأصفهاني رحمه الله عرف الإيمان بـ: "إذعان النفس بالحق على سبيل التصديق، وذلك بإجماع ثلاثة أشياء: تصديق القلب، وإقرار اللسان، وعمل الجوارح.[15] وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله هذا السؤال: "هل تعتبر أعمال الجوارح كمالاً للإيـمان أم صحة للإيـمان؟" فأجاب بقوله: "أعمال الجوارح فيها ما هو كمال للإيـمان، وفيها ما تركه منافٍ للإيـمان، والصواب أن الصوم يكمل الإيمان، الصدقة من كمال الإيمان وتركها نقص في الإيـمان وضعف في الإيـمان ومعصية، أما الصلاة فالصواب أن تركها كفر أكبر، نسأل الله العافية، وهكذا كون الإنسان يأتي بالأعمال الصالحات، هذا من كمال الإيـمان، وكونه يكثر من الصلاة ومن صوم التطوع ومن الصدقات، هذا من كمال الإيـمان، مما يقوى به إيـمانه"[16]
قال الله سبحانه و تعالى في كتابه العزيز: "والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ"- سورة العصر
ذكر السعدي في تفسيره[17] لهذه السورة: ”أقسم تعالى بالعصر، الذي هو الليل والنهار، محل أفعال العباد وأعمالهم أن كل إنسان خاسر، والخاسر ضد الرابح‏.‏ والخسارة مراتب متعددة و متفاوتة‏:‏ قد يكون خسارًا مطلقًا، كحال من خسر الدنيا والآخرة، وفاته النعيم، واستحق الجحيم‏.‏ وقد يكون خاسرًا من بعض الوجوه دون بعض، ولهذا عمم الله الخسارة لكل إنسان، إلا من اتصف بأربع صفات‏:‏
1.      الإيمان بما أمر الله بالإيمان به، ولا يكون الإيمان بدون العلم، فهو فرع عنه لا يتم إلا به‏.‏
2.      والعمل الصالح، وهذا شامل لأفعال الخير كلها، الظاهرة والباطنة، المتعلقة بحق الله وحق عباده، الواجبة والمستحبة‏.‏
3.      والتواصي بالحق، الذي هو الإيمان والعمل الصالح، أي‏:‏ يوصي بعضهم بعضًا بذلك، ويحثه عليه، ويرغبه فيه‏.‏
4.      والتواصي بالصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقدار الله المؤلمة‏.‏ فبالأمرين الأولين، يكمل الإنسان نفسه، وبالأمرين الأخيرين يكمل غيره، وبتكميل الأمور الأربعة، يكون الإنسان قد سلم من الخسار، وفاز بالربح ‏[‏العظيم‏]‏‏“. انتهى.

شيء أخير نذكره وهو أن كل الآيات والأحاديث وأقوال أهل العلم التي سقناها تدل على حقيقة الإيمان -أي ارتباط الإيمان بالعمل-، ولا يمكن للإيمان أن يتم ويكتمل إلا بالعمل. أي لا إيمان بدون عمل، ولا عمل بدون إيمان، و نعود لنذكر بأن الإيمان 
”قول وعمل، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية“‏

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
والحمد لله رب العالميـن

المراجع:

Ø  مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ج/1 ص 49

Ø  كتاب: شرح رياض الصالحين للمؤلف محمد بن صالح العثيمين


Ø  صحيح مسلم

Ø  مفردات غريب القرآن، الراغب الأصفهاني

Ø  تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان

Ø  موقع الفتوى http://alfatwa.com


Ø  موقع: مركز الفتوى http://fatwa.islamweb.net

Ø  الإيمان لإبن تيمية.






[1]  أخرجه مسلم.
[2]  مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ج/1 ص 49
[3]  كتاب: شرح رياض الصالحين/ باب الإخلاص وإحضار النية في جميع الأعمال والأقوال البارزة والخفية، المؤلف: محمد بن صالح العثيمين
[4]  سورة البقرة الاية 25
[5]  سورة الأنفال: الآية 4
[6]  سورة المؤمنون:الآية 11
[7]  سورة الكهف الآية: 108
[8]  سورة الكهف الآية 110
[9]  سورة النحل الآية 99
[10]  سورة الملك الآية 2
[11]  سورة فصلت، الأية 30
[12]  قال تعالى : "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ " / سورة فصلت، الأية 30
[13]  صحيح مسلم \ كتاب الإيمان \ باب جامع أوصاف الإسلام \ حديث رقم :55
[14] سورة الأحقاف. الآية : 13
[15]  مفردات غريب القرآن، الراغب الأصفهاني
[16]  موقع الفتوى المفتيwww.alfatwa.com   عبدالعزيز بن باز - المصدرموقع الشيخ عبدالعزيز بن باز - التصنيفالإيمان بالله
[17] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان





---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

علاقة العمل بالإيمان بصيغة PDF